الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة بادسطفان ومقتله. قد قدمنا ذكر بادسطفان هذا وأنه من أكابر قواد الديلم ويلقب حاجب الحجاب وكان جلال الدولة ينسبه لفساد الأتراك والأتراك ينسبونه إلى إحجاز الأموال فاستوحش واستجار بالخليفة منتصف سبع وعشرين وأربعمائة فأجاره وكان يراسل أبا كاليجار ويستدعيه فبعث أبو كاليجار عسكرا إلى واسط وثار معهم العسكر الذين بها وأخرجوا العزيز بن جلال الدولة إلى بغداد وكشف بادسطفان القناع في الدعاء لأبي كاليجار وحمل الخطباء على الخطبة لامتناع الخليفة منها وجرت بينه وبين جلال الدولة حرب وسار إلى الأنبار وفارقه قرواش إلى الموصل وقبض بادسطفان على ابن فسانجس فعاد منصور بن الحسين إلى بلده ثم جاء الخبر بأن أبا كاليجار سار إلى فارس فانتقض عن بادسطفان الديلم الذين كانوا معه وترك ماله وخدمه وما معه بدار الخليفة القائم وانحدر إلى واسط وعاد جلال الدولة إلى بغداد وبعث البساسيري وبني خفاجة في طلب بادسطفان وسار هو ودبيس في اتباعهم فلحقوه بالخزرانية فقاتلوه وهزموه وجاؤا به أسيرا إلى جلال الدولة ببغداد وطلب من القائم أن يخطب له ملك الملوك فوقف عن ذلك إلا أن يكون بفتوى الفقهاء فأفتاه القضاة أبو الطيب الطبري وأبو عبد الله الصيمري وأبو القاسم الكرخي بالجواز ومنع أبو الحسن الماوردي وجرت بينهم مناظرات حتى رجحت فتواهم وخطب له بملك الملوك وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة فخجل وانقطع عنه ثلاثة أشهر ثم استدعاه وشكر له إيثار الحق وأعاده إلى مقامه..مصالحه جلال الدولة وأبي كاليجار. ثم ترددت الرسل بين جلال الدولة وأبي كاليجار ابن أخيه وتولى ذلك القاضي أبو الحسن الماوردي وأبو عبد الله المردوسي فانعقد بينهما الصلح والصهر لأبي منصور بن أبي كاليجار على ابنه جلال الدولة وأرسل القائم إلى أبي كاليجار بالخلع النفيسة..عزل الظهير أبي القاسم عن البصرة واستقلال أبي كاليجار بها. قد قدمنا حال الظهير أبي القاسم ملك البصرة بعد صهره أبي منصور بختيار وأنه عصى على أبي كاليجار بدعوة جلال الدولة ثم عاد إلى طاعته واستبد بالبصرة وكان ابن أبي القاسم بن مكرم صاحب عمان يكاتب أبا الجيش وأبا كاليجار بزيادة ثلاثين ألف دينار في ضمان البصرة فأجيب إلى ذلك وجهز له أبو كاليجار العساكر مع العادل أبي منصور بن ماقته وجاء أبا الجيش بعساكره في البحر من عمان وحاصروا البصرة برا وبحرا وملكوها وقبض على الظهير واستصفيت أمواله وصودر على تسعين ألفا فحملها في عشرة أيام ثم على مائة ألف وعشرة آلاف فحملها كذلك ووصل الملك أبو كاليجار إلى البصرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وأنزل بها ابنه عز الملوك والأمير أبا الفرج فسانجس وعاد إلى الأهواز ومعه الظهير أبو القاسم..أخبار عمان وابن مكرم. قد قدمنا خبر أبي محمد بن مكرم وأنه كان مدبر دولة بهاء الدولة وقبله ابنه أبو الفوارس وأن ابنه أبا القاسم كان أميرا بعمان منذ سنة خمس عشرة وأربعمائة ثم توفى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وخلف بنين أربعة وهم: أبو الجيش والمهذب وأبو محمد وآخر صغير لم يذكر إسمه وكان علي بن هطال صاحب جيش أبي القاسم فأقره أبو الجيش وبالغ في تعظيمه حتى كان يقوم له إذا دخل عليه في مجلسه فنكر ذلك المهذب على أخيه وحقدها له ابن هطال فعمل دعوة واستأذن أبا الجيش في إحضار أخيه المهذب لها وأحضره وبالغ في خدمته حتى إذا طعموا وشربوا وانتشوا فاوضه ابن هطال في التوثب بأخيه أبي الجيش واستكتبه بما يوليه من المراتب ويعطيه من الأقطاع على مناصحته في ذلك ثم وقف أبا الجيش على خطة أخبره أنه لم يوافقه ثم قال له: وبسبب ذلك كان نكيره عليك في شأني فقبض أبو الجيش على أخيه واعتقله ثم خنقه ثم توفي أبو الجيش بعد ذلك بيسير وهم ابن هطال بتولية أخيه محمد فأخفته أمه حذرا عليه ورفعت الأمر إلى ابن هطال فولي عمان وأساء السيرة وصادر التجار وبلغ ذلك إلى أبي كاليجار فأمر العادل أبا منصور بن ماقته أن يكاتب المرتضى نائب أبي القاسم بن مكرم بجبال عمان ويأمره بقصد ابن هطال في عمان وبعث إليه العساكر من البصرة فسار إلى عمان وحاصرها واستولى على أكثر أعمالها ثم دس إلى خادم كان لابن مكرم وصار لابن هطال وأمره باغتياله فاغتاله وقتله ومات العادل أبو منصور بهرام بن ماقتة وزير أبي كاليجار سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ووزر بعده مهذب الدولة وبعث لمدافعتهم عنها وكانوا يحاصرون جيرفت فأجفلوا عنها ولم يزل في اتباعهم حتى دخلوا المفازة ورجع مهذب الدولة إلى كرمان فأصلح فسادهم.
|